وهكذا جاءت الأنباء تقول: لقد عاد أول القادمين إليك من أبنائي سالمين، فقد أشفقت عليه النوائب، وأمهله الموت.
لقد هزت هذه العودة أبنائي المبثوثين على ظهري هزا عنيفا، ورجتهم رجا، وتركتهم في أمر مريج، فمصدق ومكذب، وحائر تجحظ عيناه، ولا تنبس شفتاه.
تركت أبنائي وشأنهم، يتحاورون ويعجبون، ورحت أرقص فرحا، واهتز مرحا، وأملأ الفضاء حبورا، ولم لا أفعل هذا يا شقيقي القمر؟!، وأنا التي تكابد الشوق إليك منذ آماد بعيدة، وتعاني حرقة الصبابة من حبك كر الغداة ومر العشي، وتخشى أن يصيبك السوء على تطاول العصور والأحقاب.
لقد كتب الله لي النجاح، وبلغني ما كنت أؤمل، وجاءتني البشرى بما تتمتع به من حياة طيبة، ومنعة، وشباب، كعهدي بك أيام الطفولة، أفلا يحق لي أن أفرح وأمرح، وأتيه تيه الفائزين، وأزهو زهو الظافرين؟!.
الله يعلم كم بذلت في سبيل لقياك من جهد ومال ورجال، وكم تحملت من سهر ودأب ونصب، فحري بي اليوم أن أطيب نفسا، وأن أقر عينا، وأن تبتل جوانحي، وأن يسكت عني القلق والخوف.
ولكن.... ولكن أخشى ما أخشاه - الأخ الكريم - أن تكون قد أصابتك حمى الحسد والغيرة، حين هبط على سطحك أول رائد؛ فأخذت تقول لنفسك: وأنى لهذه الأخت أبناء يجبون الفضاء، ويطيرون من كوكب إلى كوكب، وقد عهدتها جرداء بلقاء، لا تعرف الأنس ولا الجان، ولا النبات ولا الحيوان؟!.