بعد أن عرفنا مقدار المسافة التي يشرع فيها الفطر للمسافر إذا عزم على قطعها أو تجاوزها، ننتقل الآن إلى بيان مدى هذه المشروعية. وبمعنى أوضح، هل هذه المشروعية تقف عند حدها الأدنى، وهو الإباحة، فيكون المسافر له حرية الفطر مع القضاء في أيام أخر، أو الصيام مع الإجزاء بدون أدنى حرج عليه في فعل أي منهما؟ أو أن هذه المشروعية ترتفع عن هذا الحد إلى مستوى أعلى قليلا عن الإباحة، فتصل إلى حد الندب أو الأفضلية للفطر على الصيام، فيكون من صام في سفره قد ارتكب أمرا مكروها، والمكروه وإن كان لا يعاقب على تركه، لكنه لا يثاب على فعله، كما عرفه بذلك كثير من الفقهاء، أو أن هذه المشروعية للفطر ترتفع إلى درجتها العليا، فتصل إلى درجة الوجوب، فيكون الصائم قد ارتكب أمرا قد حرمه الشارع وبالتالي، يثبت لصومه حكم البطلان، ويجب عليه قضاء هذه الأيام التي صامها في السفر لعدم احتساب الشارع لها.
لبيان ما هو الحق في ذلك نقول:
نقل عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء عدم مشروعية الصيام في السفر، إلا أن بعضهم قد نقل ذلك عنه بلفظ الكراهة وبعضهم قد نقل عنه بلفظ عدم الإجزاء أو بوجوب القضاء.
فروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما "لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم"[١] .
وقال ابن المنذر: كان ابن عمر وسعيد بن جبير يكرهان صوم المسافر وقال: روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إن صام قضاه"وقال: وروي عن ابن عباس قوله: "لا يجزئه الصيام"[٢] .
كما نقل عن عبد الرحمن بن عوف قوله:"الصائم في السفر كالمفطر في الحضر"[٣] .