هممت ذات مساء بكتابة كلمة عن النجاح والرسوب _ وفيما كنت أشرع في الكتابة لمحت اثنين قادمين، ولما كانت هيئتهما متسمة بصفة الغرابة بالنسبة لي، أوقفت الخيال ب ((جماح النظر والتحديق)) إليهما، وبالخصوص كأنهما قاصدان إليّ دون بقية الأنام.
أحدهما طويل القامة، ضخم البنية، مفتول العضلات كأنما هو بقية من قوم عاد!!
والآخر وما أدراك ما هو:رجل في منزلة بين المنزلتين.. كما تقول المعتزلة!!
ليس فيه ما يلفت النظر إلا أنه يظهر للرائي بادئ الأمر أنه من قوم لماّ يخلقوا، وإنما خلقتهم ((شاغرة _ كما في لغة الوظائف_ إذ ما سبق للتاريخ أن تبرع بوصفهم، إلا في ألف ليلة وليلة وهو بعد مصدر هام لإثبات تواريخ هؤلاء!!!
فلما ق ربا مني انحنى العملاق العاديّ _ نسبة إلى عاد _ انحناء تشبه انحناءة طائرة البوينج عندما تستعد لمصافحة الأرض.. ليصل أذن رفيقه الذي لا أعلم من صفته سوى أنه من قوم ما زالوا في كتمان الغيب.. ليقول له: أهو هذا؟ وقد قالها فيما أحسب بصوت أخفض من صوت القلب حينما يتناجى مع المخ. . ولكنه مع ذلك ما كانت قولته في أذني إلاّ صوت مكبّر في أصفى ما يكون!
لا لأن سمعي لا كالأسماع، بل لأن صوت ذلك العملاق لا كالأصوات فرد المجهول الغيبي: هو، هو،..
ولم أفهمها منه إلا بإشمامه لشفتيه، ولم أدرِ من أين للخبيث بالتجويد؟!
فسلما، فرددت، فرحبت، فجلسا.. ولما كان من عادتي أن لا أسأل القادم عن دوافع قدومه إلاّ إذا بدأ هو بطوع من نفسه في الحديث عن أسباب مجيئه تريثت، ريثما قدمت لهما شرابا، وما أن أتى العملاق على نصيبه منه حتى رأيته متهيئا للحديث فقلت: خيرا؟