تقوم اللّغة في أصل من أصولها على مبدأ الاختيار والاصطفاء، فتموت ألفاظ فتندثر، وتولد ألفاظ فتحيا وتزدهر، وموت الكلمات نتيجة مباشرة للتطوّر اللّغوي الّذي لا يتوقّف، وهذا التطوّر نتيجة لاستعمال اللّغة وحركتها الدائمة.
وقد تختفي بعض الألفاظ من الاستعمال فتموت لأسباب عديدة، تتّفق في بعضها سائر اللّغات، وتنفرد ببعضها لغات، وللعربيّة أسبابها الخاصّة الّتي أدّت إلى إماتة الألفاظ فيها ممّا حُكِمَ بموته عند تدوينها، وهي ترجع - في الجملة إلى أسباب صوتيّة ومعنويّة، وقد ربط علماء العربيّة القدماء في معرفتهم لفصاحة الكلمة، وشيوعها في الاستعمال، بين عنصرين هامّين من عناصر الكلمة، وهما:
١- العنصر الصّوتيّ.
٢- القيمة الدلاليّة.
وهذان العنصران في حقيقة الأمر هما ما يعطيان الحياة للكلمة أو يسلبانها إيّاها فتترك ويستغني عنها ثمّ تموت [١] ، وهما كما يلي:
الفصل الأول
العامل الصوتي
قد تموت الكلمة لسبب داخليّ فيها، وهو ما تشتمل عليه من أصوات، فلا تمتدّ بها الحياة كثيراً كمن ولد مريضاً فلا يلبث أن يموت، وآفة الكلمة أن تتقارب مخارج الحروف فيها، ((فلا يكاد يجيئ في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم
وثقله)) [٢] وحروف الحلق خاصّة يقلّ اتصالها في الكملة من غير فصل، وأمّا القاف والكاف فلا تجيئ متّصلة في كلام العرب، وندر ائتلاف القاف والجيم أو الكاف والجيم، فلم يأت عنهم: قج ولا جق، ولا كج وجك، ولا قك ولا كق، كلّ ذلك لتجنّب الثّقل الذي يعيق آلة اللسان بسببٍ من تقارب المخارج.
وبالجملة فإنّ تأليف الحروف العربيّة يأتي على ثلاثة أقسام [٣] :