الطالب بالسنة الثالثة بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة
كنت في ليلة من ليالي الصيف أقرأ كتاباً من كتب الأدب القديم، فكلما وفد النوم علي رددته بفصل من فصول الكتاب الممتعة، حتى استسلمت في النهاية لسلطان النوم، والكتاب على صدري وهنا ذهبت في رحلة مع الأحلام، وكانت رحلة أدبية ممتعة، لم يذهب بصفائها إلا قصر الليل الذي تعود القصر في مثل هذه المناسبات..
وكان بدء الرحلة المنامية أن ذهبت برفقة صفيّ لي تعودت وإياه عدم المفارقة. ذهبت برفقته إلى شيخ من شيوخ الأدب القدامى، وكان زميلي على سابق معرفة به، وكان بدء الرحلة: أن قصدناه فوجدناه جالساً في دكة جميلة بمنزله، فتأملته فإذا هو طويل القامة، واسع الجبهة كأن عينيه من بروزهما قد ملّتا موضعهما من جبهته الواسعة مع طول السنين فبرزتا لشم النسيم.. عليه وقار العلماء، وفطنة الحكماء، يقول عن نفسه: إنه أمضى من سنين عمره ثمانين عاماً ولكن حواسه السليمة كلها تقريباً من سطوات الأيام لا تدل على ذلك.
والبسمة لا تفارق محياه رغم جحوظ عينيه وبروزهما.. رحب بنا وأدنى مجلسنا وفوراً قام زميلي بتقديمي له وتعريفه بي وزعم له أنني من هواة الأدب قديمه وحديثه.. وهنا تبسم بسمة الساخر الذي يمنعه كرمه وحفاوته من الجهر بالسخرية والازدراء.. ولاحظت بادئ ذي بدء أن ثمة وحشة قائمة بيننا وبينه بعامل السن. ولم نستطع مبادئته الحديث، فكأنه وجس ما هجس – كما يقول الحريري – وبخفة روح منه بالغة وبسمة مشرقة استنار منها محياه، وكأنه مصباح منير اتجه إلينا بكليته وجعل يلاطفنا بكلمات أرق من النسيم العليل.