وصف الله عز وجل عباد الرحمن في سورة الفرقان ضمن صفات سابقة وصفات لاحقة بأنهم {لا يَشْهَدُونَ الزُّور}(الفرقان آية ٧٣) .
والزور أصله "الميل" ويطلق على الكذب لأنه ميل عن الحقيقة وعلى كل باطل من الأقوال والأعمال لأنه ميل عن الحق.
وعدم شهادة الزور تحمل معنيين:
الأول: لا ينطقون لشهادة الزور بمعنى أنهم لا يكذبون في شهاداتهم.
الثاني: لا يحضرون مجالس الزور.. سواء كانت مجالس كذب أو باطل أو لهو،.. ولا يرونها، وإذا أرادوها أعرضوا عنها.
وحديثنا هنا عن هذا الجانب الثاني.. لأنه أعم وأغلب كما ذكره ابن كثير في تفسيره [١] .
والمسلم مأمور من دينه أن يبتعد عن كل مجالس السوء في هذه الحياة.. تلك المجالس التي تظهر فيها المعاصي والموبقات. وتتنزل عليها اللعنات، كحفلات الغناء والرقص الماجنة. وأماكن شرب الخمر ولعب القمار.. وشبه ذلك من مجالس الفسوق التي يصول فيها الشيطان ويجول.. ولا يكفي أن ينكر المسلم ويجلس على طريق المجاملة مثلاً. لأن بقاءه في هذه المجالس يدل على الرضا بما يجري فيها، وفيه إقرار لأهل الباطل على باطلهم. ومشاركة لهم فيه.
يقول الله عز وجل:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}(الأنعام آية ٦٨) .
كما صب الله لعنته على بني إسرائيل لرؤية بعضهم المنكر وتركه يمرّ دون نكير أو اعتراض {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(المائدة:٧٨)