للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تابع الضرورة الشعرية ومفهومها لدى النحويين

الفصل الثاني

الضرورات الشعرية في ألفية ابن مالك

ربما ورد في ألفية ابن مالك بعض التجاوزات غير الإعرابية، كأن يقع الناظم في عيب من عيوب الشعر، أو يتجوَّز في بعض الألفاظ، أو يجمع بين متنافيين، وهذه الأشياء لم أُعن بها في هذا البحث، من قبل أنها لا تدخل في نحو ولاصرف، ولكني مضطر لذكر بعض النماذج المثبتة لذلك:

فمن عيوب الشعر قول الناظم - في باب "إنَّ"وأخواتها -:

وتصحبُ الواسطَ معمولَ الخبرْ

والفَصْلَ واسماً حلَّ قبله الخبرْ

حيث تكرَّر لفظ القافية ومعناها واحد، وهو من عيوب القافية، المسمى

بـ"الإيطاء"، كما قال امرؤ القيس في قافية:

سرحةُ مرقبِ

فوق مرقبِ

وذلك قوله:

على الأيْنِ جيَّاشٍ كأنَّ سراتَه

على الضُّمرِ والتعداءِ سرحةُ مَرقَبِ

له أيْطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ

وصَهوةُ عَيْرٍ قائمٍ فوقَ مَرْقَبِ

وإذا اتفقت الكلمتان في القافية واختلف معناهما لم يكن إيطاءً.

ومنه ما جاء في باب "الضمير"حين كان يتحدث عن نون الوقاية فقال:

وليتني فشا وليتي ندرا

ومع لعلَّ اعكس وكن مخيّرا

في الباقيات واضطراراً خَفَّفا

منيِّ وعنيِّ بعضُ من قد سلفا

فقوله: "في الباقيات"متعلق بـ"مخيرا"، واتصال آخر الكلمة من البيت بأول كلمة من البيت الذي بعده يُسمَّى تضميناً، وهو قبيح في الشعر.

ومثله قوله في باب "الإبدال":

والواوُ لاماً بعد فتح يا انقلبْ

كالمعطيانِ يُرْضَيانِ.ووجبْ

إبدالُ واوٍ بعد ضمٍ من ألفْ

ويا كموقن بذا لها اعتُرفْ (١)

وإنما سُمي هذا بالتضمين، لأنك ضمَّنت البيت الثاني معنى الأول، لأن الأول لا يتم إلا بالثاني، كقول النابغة الذبياني:

وهُمْ وردوا الجفارَ على تميمٍ

وهم أصحابُ يومِ عكاظ إنِّي

شهدتُ لهم مواطنَ صالحاتٍ

وثقت لهم بحسن الظن مني (٢)

وكلما كانت اللفظة المتعلقة بالبيت الثاني بعيدةً من القافية كان أسهل عيباً.


(١) الألفية ص٦٨.
(٢) الديوان ١٢٣.