في القرآن الكريم آيات كثيرة أشكل إعرابها على النحويين, وذهبوا فيها مذاهب شتى كل حسب وجهة نظره، وحسب المدرسة النحوية التي ينتمي إليها، كما أن به أيضاً تعبيرات بَدَتْ للوهلة الأولى خارجة عن قواعد البلاغيين، وذهب الشراح والمفسرون يلتمسون لها توجيها، وحارت فيها أفكارهم.
وأعرض اثنين من هذه الآيات المشكلة، إحداهما نحوية والأخرى بلاغية.
فمن التعبيرات النحوية التي أتعبت المفسرين والمعربين جميعاً قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} . إذا افتتحت الآية بالاسم الموصول (الذين) وهو لجماعة الذكور العقلاء, و (يتوفون) صلة الموصول، والرابط بها واو الجماعة، أما الخبر عن هذا المبتدأ فهو جملة {يَتَرَبَّصْنَ} والفاعل فيها هو نون النسوة وبهذا لا نجد الخبر مطابقاً للمبتدأ. ومن هنا تفرقت كلمة المعربين واختلفت تخريجاتهم لهذا التركيب. قال شيخ المفسرين الطبري:
"فإن قال قائل: أين الخبر عن الذين يتوفون؟ قيل متروك لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنما قصد الخبر عن الواجب على المعْتَدّات من العدة، في وفاة أزواجهم، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة، إذ كان معروفاً مفهوماً معنى ما أريد بالكلام، وهو نظير قول القائل في الكلام: بعض جبتك متخرقة في ترك الخبر عما ابتدئ الكلام به إلى الخبر عن بعض أسبابه، وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدأ بذكره إلى الخبر عمن قصدَ قصْدَ الخبر عنه".