نشأت الدعوة في مكة المكرمة، وكانت أول مدرسة لها هي دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بالرعيل الأول هناك، فيعلمهم العقيدة الصحيحة، وينتزع ما بقي في قلوبهم من آثار الوثنية، ويقتلع من نفوسهم قدسية الأصنام ومنزلتها، ويغرس فيها الإيمان باليوم الآخر، وما فيه من البعث والحساب والجنة والنار إلى غير ذلك من أصول العقيدة.
وقد تميزت مدرسة الدعوة بخصائص لم تتوفر لغيرها، كان لها أكبر الأثر على الدعاة، فخرّجت جيلا ضحى في سبيل الدعوة بما يملك من النفس والمال والولد، ولم يضن عليها بشيء تحتاج إليه، كما كان للجهد العظيم الذي بذله الدعاة نتائج هائلة وثمرات جيدة، وبذلك أصبحت مدرسة الدعوة في تلك الآونة مدرسة فريدة في موضوعها، فريدة في منهاجها، فريدة في نتائجها.
خصائص مدرسة الدعوة:
أول هذه الخصائص ربانية المنهج:
لقد كان منهج هذه المدرسة من صنع الله - تبارك وتعالى - جاء به جبريل من عنده سبحانه وحيا يوحى؛ لهذا كان منهجا متكاملا، لم يترك مما يصلح به البشرية في دينها ودنياها إلا حث عليه وأمر به.
وكان أول ما اهتم به المنهج هو تصحيح العقيدة من الانحراف الذي طرأ عليها، لأن الغاية من خلق آدم وذريته هو تحقيق معنى العبودية لله - عز وجل - في الأرض، باتباع المنهج القويم الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، وذلك بعبادة الله - تعالى - وإخلاص الطاعة له - سبحانه -.
وكان الناس في تلك الآونة من الزمان قد نسوا البعث، بل أنكروه، كما هو حالهم في فترات الزمان المتباعدة، فكانت الدعوة الإسلامية عاملا مهما من عوامل إيقاظ هذا المعنى في النفوس، وركزت عليه تركيزا بحيث لم يعد هناك مجال للشك فيه.