الحمد لله الحكيم الباعث والمحيي المميت، والصلاة والسلام على صفوة الخلق محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فإن من ألفاظ العربية ما يملك مقومات الحياة والبقاء فيبقى، ومنها ما يفقد تلك المقومات فيموت ويفنى، فاللغة كائن حي [١] نام خاضع لناموس التطور والارتقاء، وليس فيها كسب دائم من النمو والتجديد، فكل نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر، وهي ((تحاول دائماً أن تصل إلى نوع من التوازن، فهي كما تقترض ألفاظاً من اللغات الأخرى لتسعف حاجات المتكلمين بها نراها تستغني عن ألفاظ أخرى تختفي من الاستعمال)) [٢] .
ومن الألفاظ ما يعمر فلا يموت، ولو مضى عليه آلاف السنين، لما فيه من ضروب المناعة الداخلية كقوة المعنى ودوامه، ورشاقة اللفظ وعذوبة جرسه، أو المناعة الخارجية، كألفاظ القرآن الكريم التي تكفّل الله - عز وجل - بحفظها، وما صح من ألفاظ الحديث النبوي الشريف.
أما ما دُوْنَ ذلك فإنه معرّض للتبديل والهجر والموت والانقراض، إلا أنّ هذا لا يكون أبدياً؛ فكل لفظ مات واندثر قابل للبعث لتدبّ فيه الحياة من جديد، وتجري به الألسنة بمعناه القديم أو بإلباسه معنى جديداً.
وفي العربية الفصحى ألفاظ هجرت في الاستعمال لأسباب عديدة فماتت، كالمِرْباع، والنَّشيطة، والفُضُول، والحُلْوَان، والصَّرورة من الأسماء [٣] ، وجَعْتَبَ، وحَنْجَدَ، وخَنَدَ، وحَبَّ، وكَهَفَ، وعَذَطَ، من الأفعال [٤] .