وهذه مع غيرها ألفاظ أميتت في العربية منذ وقت مبكر، وقد صادفها علماء العربية عند تدوين اللغة في عصور الاحتجاج مماتة ساقطة من الاستعمال، فوردت عنهم إشارات لها متفرقة في مصادر اللغة المتنوعة؛ تدل على موتها؛ فأردت أن أجمع ما تفرق مما أميت من ألفاظ العربية زمن الفصاحة وأدرسه، أما ما هجر بعد عصور الاحتجاج منذ نهاية القرن الرابع إلى عصرنا هذا فليس مما أهدف إليه في هذا البحث، وهو كثير، ولا اعتداد بهجره من الاستعمال، ولا يعدّ من الممات في العربية، وإنما تركه المولدون لابتعادهم عن منابع اللغة وضعف سلائقهم ولما استجد من أمور الحضارة، و ((لو ذهبنا إلى المعارضة بين ألفاظ الحياة العربية الأولى وما اختصت به من المعاني وبين هذه الحياة الحضرية ومستحدثاتها، لرأينا قسماً كبيراً من اللغة يتنزل منها منزلة البقايا الأثرية)) [٥] مما يعد من فضول الحاجات كأسماء الإبل وصفاتها وأسماء الحشرات وأدوات البداوة، وأسماء النبات، وما جاءت به اللغات المتعددة، وهو كثير مستفيض، وليس هو من الممات، وإن تركه المعاصرون.
وقد حافظ علماء اللغة على الممات القديم ودونوه في معجماتهم، ولعل من أبرز العوامل التي أدت إلى اشتمال العربية على هذا الثراء اللفظي أن الممات من ألفاظها كتب له البقاء، بتدوينه، وكأن احتفاظهم به إرهاص لإحيائه [٦] .
إلا أن التدوين بعامة لم يشمل اللغة كلها لسعتها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقول:"ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير "[٧] .
ويقول:"قد ذهب من كلامهم شيء كثير "[٨] .
وقال ابن فارس:"ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل.
قال: ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاء شعر كثير وكلام كثير. وأحر بهذا القول أن يكون صحيحاً" [٩] .