العقل جوهرة يتميز بها الإنسان عن الحيوان، وهو مناط الإدراك فيه، فبه يفرق بين الخير والشر، ويميز به الخبيث من الطيب، ومن ثم حرص الإسلام أعظم الحرص على المحافظة عليه، وجعله محل التكاليف الشرعية، إذ قد أسقطها عمن فقده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم "(رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر) .
وحين نستقرئ آيات القرآن الكريم نجد أن الإشارة إلى العقل قد تكررت في صيغ مختلفة _ تسعاً وأربعين مرة [١]_ ورد فيها الاستفهام التقريعي التوبيخي بصيغة "أفلا تعقلون؟ "خمس عشرة مرة [٢] في قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(البقرة آية ٤٤) .
وكذلك في الآيات رقم ٧٦ البقرة، ٦٥ آل عمران، ٣٢ الأنعام، ١٦٩ الأعراف، ١٦ يونس، ٥١ هود، ١٠٩ يوسف، ١٠ الأنبياء، ٦٧ الأنبياء، ٨٠ المؤمنون، ٦٠ القصص، ٦٢، ٦٨ يونس، ١٣٨ الصافات [٣] .
والاستفهام بقوله جل وعلا "أفلا تعقلون؟ "يوبخ أولئك المخاطبين، لأن الله منحهم قولا تدرك، ومع ذلك أبوا إلا أن يطمسوها طمساً تعطل به ولا تستعمل فيما أعدَّها الله تعالى له، فبدلوا هذه النعمة الجليلة التي أنعم الله بها عليهم كفراً، فلم ينتفعوا بها شيئا.