وسوف يدركون هذه الحقيقة في الدار الآخرة فيقولون وهم يتلظون بالنار، كما أشار إليهم الله تعالى في قوله:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(الملك آية ١٠) فهؤلاء أعطاهم الله أسماعاً، وأعطاهم عقولاً، ولكنهم لم يستعملوا أسماعهم ولا عقولهم في إدراك الحق الذي أنزله الله تعالى، فكانوا بمثابة الذين انعدمت أسماعهم وعقولهم ولم تغن عنهم شيئا.
* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة "لعلكم تعقلون "ثماني مرات [٤] وذلك في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة آية ٧٣) ، وقوله تعالى:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة آية ٢٤٢) ، وكذلك في الآيات رقم ١٥١ الأنعام، ٢ يوسف، ٦١ النور، ٦٧ غافر، ٣ الزخرف، ١٧ الحديد [٥] .
وفي هذه الصيغة يتبين أن ما سبقها علة لكي يعقل الإنسان ويتدبر، ليفهم عن الله عز وجل ما يلفته إليه.
* وجاءت الإشارة كذلك إلى العقل بصيغة "لا يعقلون "إحدى عشرة مرة [٦] في قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(البقرة آية ١٧٠) ، وفي قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}(البقرة آية ١٧١) ، وفي الآيات رقم ٥٨ المائدة، ١٠٣ المائدة، ٢٢ الأنفال، ٤٢ يونس، ١٠٠ يونس، ٦٣ العنكبوت، ٤٣ الزمر، ٤ الحجرات، ١٤ الحشر [٧] .
وقد نعى الله تعالى على من عناهم في هذه الآيات أنهم لا يستعملون عقولهم بل عطلوها تماما فلم يستفيدوا بوجودها لديهم، فكأنها منعدمة لا قيام لها فيهم، ومن ثم لم يفهموا ولم يدركوا عن الله شيئا.