تحديد النسل أو كما يسمونه تنظيم النسل ودعوة الأمة إليه بصفة عامة مشروع خطير تجذبته الأفكار والأقلام منذ سنين ولم يثره بادئ الرأي عندنا إلا الاستعماريون حين أفزعهم تزايد السكان وأقلقهم نموّ الأمة ويقظة الشعور العام فيها إلى أساليب الاستعمار في البلاد المستعمرة والتنبه العام إلى ما له من فادح الأخطار على البلاد ومناداة الشعوب في كل الأقطار العربية بضرورة تحريرها وتخلصها من شروره ومفاسده، فنادوا في طول البلاد وعرضها بالخوف من المجاعة الجائحة إذا استمر تزايد السكان ولم يحدد النسل بطريقة حاسمة وعمدوا إلى خداع العامة (باسم الدين) فزعموا أن الإسلام يبيح هذا التحديد بصفة عامة، بل قال قائلهم وهو مدرس جامعي عن عمد أو خطأ:"إن إباحة الإسلام العزل من الزوجات شرعاً دليل على إباحته تحديد النسل بصفة عامة.
فبينّا لهم في أكثر من مقال: أن من أهم مقاصد التشريع الإسلامي تكثير سواد الأمة ونموها على ممر الدهور حتى تواجه الأحداث والخطوب بقوى عاملة وتستثمر خيرات البلاد بكثرة كادحة وتقف في وجوه الأعداء بجيوش حاشدة على التوالي إمداد متتابعة إذا جد الجد، وقديماً قالوا: إنما العزة للكاثر.
لذلك أوجب الإسلام على أهله الكسب والعمل والجد في الحياة وفي استنباط وسائل العيش الرغيد للأمة بطريق الزراعة والتجارة والصناعة والتوسع فيها واستخدام أقوى الوسائل وأفضلها إلى غاية الطاقة، وجعل كل فرع من فروعها من فروض الكفايات حتى تستغني الأمة بخيراتها ومنتجاتها عن كثير مما تستورده من غيرها، وتعز بكثرتها أمام تلك القوى التي تنافسها أو تنصب لها العداوة وتدبر لها الشرور والمكائد وعوامل الضعف والذلة.