عجيب أمرك يا صديقي!! أبعد عشرات السنين وسنّ السبعين، وأنت ترفل في نعم الله، وتخضم خضراء الحياة، أبعد أن لبست شبابها جديدا، وطويت كهولتها رغيدا، أبعد أن امتلأ بجمالها عيناك، وانتضج بطعامها حضناك، أبعد هذا كله تتبرم بالحياة، وتتشكى من قدر الله؟!.
وأي شيء في أن يسترد الله نور عينيك، وقد استأمنك عليهما سبعين عاما؟! ماذا صنعت بهما في هذه السنين السبعين؟!
لقد رأيت بهما عدو الله وعدوك أربعين خريفا أو تزيد، رأيته وهو يضع قدمه الثقيلة على أرضك وأرض آبائك وأجدادك، رأيته وهو يسدد حربته الطويلة إلى صدور الشيوخ والنساء والأطفال من أبناء دينك وقومك، فماذا صنعت؟ أرأيت بهما طريق الجهاد فسرت عليها قدما، وأبصرت بهما الأعداء فتقحمتهم مهاجما؟ لم تصنع شيئا من ذلك يا صديقي، وإنما أبصرت بهما طريق الهزيمة فوليت عليها مدبرا، وليت وهما تفيضان بالدمع وتغمضان على القذى.
ظننت الحرب سحابة صيف سرعان ما تنقشع، وهزة أرض وشكان ما تسكن وتطمئن، خدعت أذناك بما كانتا تسمعان من عهود ووعود، وخدعت عيناك بما كانتا تبصران من أسلحة وجنود، ونسيت أنك مسؤول عن توليك وقعودك يوم يقوم الحساب.
رأيت بهما المنكرات تسعى بين يديك وعن أيمانك وشمائلك ومن ورائك، فماذا صنعت؟ كانت يديك شلاء، وكانت شفتك خرساء، ومضى قلبك ينبض باتساق وهدوء دون أن يشمئز، وظلت نفسك مطمئنة وادعة دونما تقزز.
ماذا تريد أن ترى بعينيك يا صديقي؟ أتريد أن تكون شاعرا ترى مطلع الشمس ورحلة القمر وأمواج البحر؟!