لأن كلا من الغيم والهجر والقمر والحب والنور والصلح والظلمة والعتب أشياء لا تلمس. وذكروا أن البيت الذي يعظم وعيده ويصغر خطبه قول عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا منا ومنهم
مخاريق بأيدي لا عبينا
لأنه أنحط بسيوفهم لما شبهها بمخاريق اللاعبي.
فلسفة الأجواد:
للأجواد والكرماء فلسفة تظهر لك ما وراء سجيتهم من حكمة، ومن ذلك قول حاتم:
أماوي إن المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي ما يغنى الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
أمأوى إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لاماء لدي ولا خمر
ترى أن ما أنفقت لم يك ضرني
وأن يدي مما بخلت به صفر
أماوي إن المال مال بذلته
فأوله سكر وآخرة ذكر
وللبخلاء أيضا فلسفتهم: فقد ذكر أبو عمرو الجاحظ قال: قال إسماعيل سمعت الكندي يقول: إنما المال لمن حفظه، وإنما الغنى لمن تمسك به، ولحفظ المال بنيت الحيطان، وغلقت الأبواب، واتخذت الصناديق، وعملت الأقفال، ونقشت الرشوم والخواتيم، وتعلم الحساب والكتاب، فلم يتخذون هذه الوقايات دون المال وأنتم آفته، وقد قال الأول أحرس أخاك إلا من نفسه، ولكن احسب أنك قد أخذته في الجو اسق وأودعته الصخور ولم يشعر به صديق ولا رسول ولا معين لك بألا تكون أشد عليه من السارق، وأعدى عليه من الغاصب، وأجعلك قد حضنته من كل يد لا تملكه، كيف لك من أن تحصنه من اليد التي تملكه وهي عليه أقدر، ودواعيها أكثر، وقد علمنا أن حفظ المال أشد من جمعه.. فالمال لمن حفظه والحسرة لمن أتلفه، وإنفاقه هو تلافه وإن حسنتموه بهذا الاسم وزينتموه بهذا اللقب.
وخير من هذا وذاك قول الحكيم الخبير عز وجل:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} .