الشيخ عبد الحميد بن باديس: قائد الحركة الإصلاحية في الجزائر
بقلم الشيخ محمد شريف الزيبق المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة
لقد حمل ابن باديس لواء الإصلاح والدعوة لإيقاظ الوعي الإسلامي في بلاد الجزائر, في زمن ضرب فيه الجهل بجرانه، وراجت فيه الشعوذات والبدع، بعد أن سقطت البلاد في حضيض الضعف، واستولى الفرنسيون على السلطات وسعوا في زيادة مصائب الجزائريين، فسلطوا عليهم سياط العذاب والهوان والإرهاب من سفك للدماء وتشريد للأحرار وإفقار للعوام، وتركهم فريسة الجوع والبؤس والجهل، واستمر الاستعمار زهاء ١٣٠ عاما بكابوسه الفظيع إلى أن أثمرت جهود العاملين المخلصين أمثال الشيخ ابن باديس، وهب الجزائريون عن بكرة أبيهم يذودون عن الحمى ويجاهدون في سبيل الله، وأصلوا المستعمرين حربا ضروسا لا هوادة فيها طيلة ستة أعوام سقط فيها مئات الألوف من الجزائريين صرعى البغي والعدوان وظفرت الجزائر بحريتها رغم انف وزير خارجية فرنسا (١) .
وإذا كان الأجل لم يمهل ابن باديس حتى ينظر بعينيه إلى جهاد أبناء وطنه ويسعد بانتصارهم ـ إذ توفي قبل نشوب الثورة الجزائرية بخمس عشرة سنة ـ فإنه كان واثقا من نصر الله، دائبا في بذل أقصى ما يستطيع من جهد في إرشاد العامة ونشر العلم بين نابتة البلاد، وتنقلا بين حواضر الجزائر وبواديها، لا يهدأ له بال ولا يقرله قرار، يصدر الصحف العلمية الإسلامية وكلما عطل له المستعمرون صحيفة جدد غيرها وكان مع هذا كله يتعبد يتأمل ويحقق واصلا ليله بنهاره غير مشفق على نفسه ولا على جسمه، وقد هم بالخروج إلى جبال أوراس لإعلان الجهاد على الفرنسيين وكان يسعى لجمع الرجال لهذه الغاية. وحين اشتعلت الحرب العالمية الثانية قبيل وفاته اجتمع بأنصاره وقال:"عاهدوني" فلما أعطوه العهد فال: "سأعلن الثورة على فرنسا عندما تشهر إيطاليا عليها الحرب".