مما جرى على الألسنة واشتهر ما نسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله، وهو قوله:
لكنت اليوم أشعر من لبيد
ولولا الشعر بالعلماء يزري
فما نصيب العلماء من الشعر؟ وما نصيب المحدثين منهم؟ وهم في الخاطر أجدر بأن يكونوا أبعد الناس وأقلهم فيه.
لم أشأ أن أوسع بحثي لأتناول العلماء على اختلاف اختصاصاتهم وقد أكتب في الموضوع بتوسع في بعض المناسبات.. لكني اخترت أهل الحديث من العلماء لأدرس شعرهم وموقفهم من الشعر والشعراء.
وفي النفس أمل يراودها بأن أكتب فيما بعد (أدب العلماء) في مصنفاتهم سواء منها العلمية أو الأدبية، فهو موضوع مهم يحتاج إلى دراسة واسعة..
قبل الشروع في شعر أهل الحديث.. يحسن أن أقدم له بالكلام عن الشعر وميزان الجمال فيه ثم موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر والشعراء.. مع بحث بعض الآيات والآثار التي ظاهرها ذم الشعر والحث على هجره.
الشعر وديوان العرب:
قيل لسعيد بن المسيب: إ ن قوماً بالعراق يكرهون الشعر، فقال:"نسكوا نسكاً عجيباً". ذلك لأن الشعر من أعظم ما جادت به ألسنة العرب، وهو عنوان لغتها وبلاغتها وسجل حوادثها وتاريخها، وترجمان أخلاقها وعاداتها، وكان أحب إليهم من غيره وأرفع قدراً وأعظم شأناً، فهي أكثر اشتغالاً به وأكثر حفظاً ورواية له، وأعظم حرصاً عليه ولذلك فقد نقل إلينا من أشعارهم أكثر مما نقل من منثورهم. وقد قيل: إن ما وصل إلينا من منثورهم عشره، وما ضاع من منظومهم عشره (١) ومن إعظامهم لشأن الشعر قرنوه بالكهانة والسحر؛ لأن كلا منهما يغير الأشياء في مرأى الإنسان ومخيلته بأساليب تأثيرية نافذة، فتأثير الشعر في نفوسهم أشبه تأثير السحر حتى قال قائلهم: