مدرس التاريخ الإسلامي بكلية الحديث والدراسات الإسلامية
الحج هو الفريضة الخامسة من فرائض الإسلام، والركن الذي يجمع خصائص الأركان كلها، فهو يجتمع مع الصلاة في الإعراض عن الدنيا والترفع عن اللغو، والصلة الدائمة بالله عز جل..
ويشارك الصيام في الخشية والتقوى والمساواة، ويأخذ من الزكاة البذل والتضحية والإنفاق، فهو إذن عبادة روحية وجسمية ومالية، وهو فوق هذا مؤتمر عام، ومعسكر سنوي، ورياضة روحية.. هو مؤتمر عام لأن جميع طبقات المسلمين ممثلة فيه، بعد أن تزال الفوارق بين هذه الطبقات، حيث المساواة في الزي والمسكن والمناخ والتقارب في المطعم والمشرب.
وهو معسكر سنوي لأنه يعلم المسلمين الجندية الصادقة، فالحج يعلم المسلمين طاعة القيادة، وخفة الحركة، وإقامة المخيمات والانتقال بها من مكان إلى مكان في ساعات معدودات، ومنه يتعلمون الصبر على المشقات.
وهو رياضة روحية، لأنه يطلق الروح ويكبل الجسد ويكبح الشهوة ويحرم كثيراً مما كان حلالاً قبل الإحرام للإنسان.
ولأجل أن نقف على هذه الحقيقة ونستجلى معانيها يجب أن نعيش مع هذه الأيام التي يقضيها الحجاج عند أداء الفريضة.
اليوم الأول:
وهو يوم التروية - اليوم الثامن من ذي الحجة - وفيه يتجرد الحاج من ملابسه، ويرتدي إزاراً ورداءً هما أشبه بالكفن منهما بملابس الإنسان وفي هذا إعلان صريح باطراح مظاهر الحياة ومباهجها، وإعراض عن متاعها وزخارفها، وتذكير بيوم لا بد للإنسان أن يلاقيه.
هذه الجموع الغفيرة تقبل على الله بكل جهدها، ولسان حالها يقول:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} ولسان مقالها يترجم هذا المعنى فيقول:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".