إذا كانت الكتب السماوية التي عرفتها البشرية قبل القرآن الكريم، قد طواها الزمن، وصارت كأن لم تكن، ولم يصل إلينا منها سوى التوارة والإنجيل على ما بهما من تحريف وتبديل، فإن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي ضمن الله له البقاء والخلود، وتكفل سبحانه بحفظه وحراسته مصداقا لقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[١] .
فكما أن ظاهر القرآن حجة على فصحاء العرب والعجم بنظمه، فكذلك باطنه حجة على علماء العرب والعجم بحكمه وعلمه، وكما أن ظاهره مربوط بنظم لا يتطرق إليها عيب، فكذلك باطنه مبسوط بحكم، لا تبقى معه مادة لريب، وكما أن ظاهر نظمه، لو وقع فيه خلل، لكان للطاعنين فيه مقال، فكذلك إن وقع في نظم معانيه زلل لكان للمعرضين عنه مجال، وإليه أشار الحق بقوله {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[٢] .
وتكفل الحق جل في علاه –بحفظ القرآن الكريم من التحريف، دون غيره من الكتب السماوية الأخرى، حقيقة قررها القرآن الكريم، وصدقها ويصدقها واقعه الملموس ويشهد بها المنصفون من أعدائه، حيث أذعنوا واعترفوا بأن ما بين دفتي المصحف هو عين ما نطق به محمد، لم يصبه أدنى تحريف [٣] .
حكمة حفظ القرآن من التحريف دون غيره من الكتب السماوية
وإنما كان الأمر كذلك، بالنسبة لهذا الكتاب الخالد، لحكم متعددة أبرزها ما يلي: