للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ

تأليف

د./ عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعدي

الأستاذ المساعد في قسم اللغويات

بكلية اللغة العربية الجامعة الإسلامية

المقدّمة

الحمد لله الذي خلق الإنسان، واختصه بنطق اللسان، وفضيلة البيان، وجعل له من العقل الصَّحيح والكلام الفصيح منبئًا عن نفسه، ومختبرًا عَمّا وراء شخصه، وصلى الله على خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد؛ فقد صُنِّف في نشأة علوم العربيَّة الشَّيء الكثير، وأفردت الكتب لرجالاتِها، وجمعت أخبارهُم، وصُنِّفوا بحسب طبقاتهم، أو بيئاتهم، أو أسمائهم، فمنهم البصريون ومنهم الكوفيون ومنهم البغداديون.

ولم يشر أصحاب التَّراجم والطّبقات إلى بيئة المدينة اللغوية أو النّحويَّة، أو إلى نشأة النّحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.

ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن، بل نفى بعضهم عن المدينة أيَّ صلة بالنّحو أو اللّغة، ووصفها بالخلوّ من علماء ذلك العلم الَّذي يطلق عليه عند القدماء: العربيَّة.

يقول صاحب "المراتب"بعد حديثه عن البصرة والكوفة: "ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأمَّا مدينة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم بها إماماً في العربية".

ونقل عنه ذلك جماعة من علماء التَّراجم المشهورين، كياقوت والسُّيوطي.

ويقول ابن يعيش: "لا أدري لأهل المدينة مقالة في النَّحو".

ويقول الجاحظ من قبلهم: إنَّ اللَّحن في أهل المدينة فاشٍ وفي عوامّهم غالب.

وُيروى عنِ الأصمعي أنَه كان ينفي عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشِّعر- أيضا- ويصف حالهم في زمانه في القرن الثاني ويقول: "أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة".