لقد فاجأتني رسالتك، وما كان يدور لي بخلد أن مخلوقاً ضعيفاً صغيراً مثلك يستطيع ذلك البيان، وأغلب الظن أن قد غلب على ظنك أني قط غر صغير، يصدق ما يقال، ويخدع بما يسمع، ويستهويه زخرف القول، فكتبت ما كتبت، ثم جلوته على في أبهى حلة.
حقاً، أيها الفأر المجاور، أن كادت رسالتك لترديني، وتخرجني من يقيني، قرأتها أول مرة، فظننت أنها دعوة حق، ومقالة صدق، وأخذت أردد ما قلت:"ما أطيبها دعوة، وما أمتها حياة! وهل هناك حياة أروع وأمتع من حياة السلم والسكينة، والأمن والطمأنينة، مع راحة وهناء، وطعام دون عناء؟ علام هذا الخصام بين مخلوقات الله؟ لو تراضى الخلق بالمساواة، وأخذ كل مخلوق ما كفاه، لعاشوا جميعاً عيشة هادئة وادعة، لا قلق فيها ولا اضطراب، ولا دماء ولا حراب".
ولكنني من بعد لأي أفقت من هذه الأحلام الجميلة، والرؤى الخادعة، وأخذت أغدو ببصري وأروح، أغدو به بين جسمي وجسمك، وأروح به بين طباعي وطباعك، فتلاشى ما كان على بصري من غشاوة، وتزيل ما ران على قلبي من باطل، وتبين لي أنني كنت في ضلال بعيد.
لقد نظرت إليك، فرأيت فيك خلقاً صغيرا حقيراً جباناً تكثر الفساد في البيوت، وتفسد الطعام على الناس، يسير الخراب حيث سرت، وينزل الأذى حيث تنزل، فلا عجب أن تضيق بك الصدور والدور، وأن يكيد لك الناس، فينصبوا المصايد، ويبثوا السموم، ثم تلقى على أيديهم عذاب الحريق.
لقد نظرت إلى نفسي، فإذا بي جثة ضخمة تملأ العيون، وقلب جريء لا يخشى المنون، وسلاح ماضي الشفرتين ستذوق طعمه بعد حين، هذا إلى ما أتمتع به من عطف بالغ على الأبواب، ووداد صادق في البيوت، وسلامة من خبائث الأخلاق والأمراض.