فهل تراها منصفة بعد هذا أن يستوي خلق مثلي وخلق مثلك؟
هيهات هيهات أن يتراضى الخلق بالمساواة، وهم لم يخلقوا سواء، ولم يكونوا ذات يوم أكفّاء!!
مثل آخر أحب أن أسوقه إليك، وما أن بصاحب أمثال أضربها، لولا أمثال جاءت بها رسالتك، ونهج في البيان سبقتني إليه:
انظر إلى صاحبة هذه الدار، كم حاولت أن تعلم هذه الخادم أشياء كثيرة تكسبها حذقاً في اليدين، وحسناً في التدبير، وبصراً في الأمور، وذوقاً في التنسيق والتركيب، ولكن الخادم بقيت حيث هي، لا تزيد على أن تخم البيت، وتمسح البلاط، وتغسل آنية المطبخ.
فهل تراها منصفة بعد هذا أن تعيش هذه وتلك على حد سواء.
ومالي أذهب بعيداً هنا وهناك لم لا أضرب الأمثال فيك وفي قومك؟! هل ترضى أنت أيها الفأر أن تعيش كما يعيش سائر الفيران في هذا البيت، وأنت الزعيم ذو الحول والطول؟! أليس لك امتياز عليهم في الذكاء والرأي والقوة والقيادة وسياسة الأمور، أفلا تكون جديراً بعد هذا بحق امتياز في المبيت والمأكل والمشرب، وفضل نفوذ في الأمر والنهي.
كيف تزعم الإمتيازات قد ولت مدبرة ولم تعقب، وها أنت ذا تميس في حللها بكرة وعشياً، وتتذوق حلاوتها على دروب السلب والنهب؟!
أما حياة السلم والسكينة، والأمن والطمأنينة، تلك التي زعمتها في رسالتك، فحياة ظاهرها الرحمة والبر، وباطنها الذل والصغار، أي حياة هذه التي تقوم على لقيمات إحسان ألبس بها ثياب الضعف والخنوع، كيف انجحر في زاوية من زوايا بيت وهو ملعب الصبا ومسرح الحياة؟! أتظنني أستطيع التظاهر بالعمى وأنا أبصرك تصول وتجول في أرجاء البيت تسلب وتنهب؟! ما أعجب شأني حين أزعم العجز وأنا القادر على أن أمزق جموعكم شر ممزق،وأن أشرد بكم في كل جحر.
ماذا أصنع بهذه المخالب التي تفري اللحم، وهذه الأنياب التي تحطم العظم، وهذه العظلات المفتولة التي خلقت للضرب والوثب والقتال؟!