يقال إن أفلاطون قد سئل ذات يوم كيف آراء أستاذك سقراط، وهو الذي لا تكاد ترفع عليه أحدا من الناس؟ فأجاب: نحب سقراط ونحب الحق، ولكن الحق أحب إلينا من سقراط. وقد رأينا تلميذي أبي حنيفة الأفضلين لا يترددان عن خلافه في كثير من الأمور للغاية نفسها، وهو من أكرم الناس عليهما، رحمة الله على الثلاثة أجمعين.
ذكرت هذا وأنا أستمع إلى فضيلة الأخ الأثير، شيخ الأدباء ومحدث الشعب الأستاذ علي الطنطاوي، في برنامجه المرغوب "مسائل ومشاكل" وذلك في الساعة الثامنة إلا ربعا من مساء الأربعاء الواقع في التاسع والعشرين من ربيع الآخر _ عام _ ١٣٩٦هـ وكان السؤال الذي أجاب عليه يتعلق بمفهوم "القَدَم" في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن النار لا تفتأ تتطلب المزيد من الأشقياء حتى يضع فيها الجبار قدمه _ وفي رواية أخرى رجله _.
لقد رأيت الأستاذ كمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى وهو يحاول البحث عن الجواب الجامع المانع.. حتى اتكأ على إحداهما أخيرا وقطع بأن القدم في الحديث ليست على ظاهر اللفظ، وإنما هي لون من الكناية _ التي يراد بها لازم معناها _ وراح يؤكد ذلك بكلام نقله من (لسان العرب) وخلاصته أن المراد بالقدم هنا هم أهل النار، ويروي عن اللسان كذلك ما يثبت هذا التخريج بعبارات تثبت أن العرب يستعملون القدم بمعنى الطليعة، ومقدمة الجيش وما إلى ذلك. ثم مضى فضيلته يفرّع على هذا الأصل بعرض طائفة من مشتقات القدم..