ولو أن تقدير الإنسان لآخر يوجب السكوت عن كل ما يقول لكان علي - بالأقل - أن أسكت على ما سمعت فلا أتعقبه بشيء، ولكن الواجب يقتضي غير ذلك، لأن الموضوع أخطر من أن يهمل، ولأن مكانة الأخ العزيز تجعل لقوله وزنا وأثرا يتعذر إقلاعه من النفوس، سواء كان ذلك الأثر سلبا أو إيجابا، وهذا ما حفزني على أن أتناول الموضوع بشيء من التفصيل رجاء أن نتلاقى على القرار الذي يطمئن إليه قلب المؤمن، وملئى اليقين بأن فضيلة الأخ سيكون على غاية من السرور إذا وجد في عرضي هذا الحق الذي لا يعدل به شيئا آخر.
فأول ما أَسترعي إليه انتباه الأخر هو وقوفه في نقوله من لسان العرب على القول المنسوب إلى الحسن وأصحابه وقبوله دون مناقشة، ودون تتبع للمصادر التي استقى منها ابن منظور هذا القول، على خلاف ما عودناه فضيلته من إيثار للتحقيق والتدقيق في مثل هذه الأخبار الهامة، يضاف إلى ذلك إغفاله الرواية الأُخرى المقابلة لتلك عن اللسان نفسه، وهي القول بأن الخبر "متروك على ظاهره ويُؤمَنُ به، ولا يفسر ولا يُكَيَّف" ولو هو قد فعل ذلك لأبرأ ذمته، ولترك للسامعين أن يعرضوا الأمر على مطالعاتهم وفطرهم، فيختاروا أيهما أليق بكماله تعالى، وبما وصف به نفسه في الكتاب الحكيم وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقد لوحظ من خلال محاولاته الوصولَ بالأمر إلى القرار النهائي، شدةُ تعويله على جانب الاشتقاق اللغوي في تفسير "القَدَم" وذلك بحشده الأشتات من الكلمات المحتوية على حروفها.