للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من مظاهر البلاغة القرآنية قوة الحجة ووضوحها

الدكتور علي محمد حسن العمّاري

الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة

عرض القرآن الكريم لكثير من قضايا الدين والدنيا، وسلك في عرضها أساليب مختلفة متنوعة، وما عرض لقضية في صورة من الصور إلا أتى فيها بما يثلج الصدور، ويروى الظماء، وبما يقنع من يريد أن يقتنع، ويهدى من يبحث عن جادة الطريق.

ولم يجنح بالضالين منذ عهد البعثة إلى يومنا هذا عن سواء السبيل إلا الجهل أو العناد، أو هما معا.

وأخطر أدواء الجهل هو الجمود على دين الآباء والأجداد، وأخطر أدواء العناد هو الحقد على الدعوة، وصاحبها، ثم على الإسلام والمسلمين.

وقد عالج القرآن الكريم هذين الداءين بما يحسمهما، لو اعتصم المارقون بالعقل، وخلدوا إلى الإنصاف، وصنعوا لأنفسهم، وبغوا لها الخير والصلاح في الدين والدنيا، وربأوا بها عن الارتكاس في ظلمات الجهل، والتردي في نيران الحقد.

عالج الجهل بالدعوة إلى النظر في ملكوت السموات والأرض وإلى الاستماع لآيات الله وإمعان النظر فيها، وبالأمر بسؤال أهل الذكر حين تستبهم المعالم وتضل الطريق، وتطبق الظلمات، ثم بالزراية على التقليد الأعمى، وبالتهوين من شأن من يقولون: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف/٢٢) .

وعالج العناد بالحجة الحاسمة، والبرهان الدامغ، الذي لا يجد المعاند معه -إن أحسن إلى نفسه وعقله- طريقا إلى التنكر للحق، والإصرار على الباطل.