كان للعرب في الجاهلية وصدر الإسلام مكارم ومناقب يحمدون عليها، ويشرفون بفعلها. وكان لهم بإزاء هذا مناكر ومثالب يذمون عليها، وينتقصون بمباشرتها.
فمن مثالبهم التي كانت متفشية فيهم، وكانوا يستحقون عليها أقسى اللوم وأشد التعنيف (التبني) .
وللتبني في معناه صورتان، إحداهما أن يضم الرجل الطفل الذي يعلم أنه ابن غيره إلى نفسه فيعامله معاملة الأبناء من صلبه، من جهة العطف والإنفاق عليه، والإحسان إليه, ومن جهة تربية جسمه، وخلقه، وروحه، ومن جهة العناية بشئونه كلها، حتى يُعدّه ليكون رجلاً عاملاً في الحياة دون أن يلحقه بنسبه، أو يلصقه بأسرته.
والطفل - في هذه الحال - لا يعتبر ابناً شرعياً، ولا يثبت له شيء من أحكام البنوة, ولا من أحكام النسب الصحيح.
والتبني - بهذا المعنى - صنيع يلجأ إليه بعض أرباب الثراء من الموسرين الذين لم ينعم الله عليهم بنعمة الأولاد، ويتخذون منه قربة إلى الله تعالى بتربية طفل فقير بائس حرم عطف الأبوة، أو حرم قدرة أبيه على تربيته وتثقيفه.
ولا ريب أن التبني بهذا المعنى عمل إنساني جليل، يستحبه الشرع الشريف ويرغب فيه، ويدعو إليه، ويثيب عليه، وهو من الصدقات التي تحفظ للمتصدق مكانة التقرب إلى الله تعالى، وقد فتحت الشريعة الإسلامية للموسر في مثل هذه الحال باب الوصية، وجعلت له الحق في أن يوصي بشيء من تركته يسد حاجة الطفل في مستقبل حياته، حتى لا تضطرب به المعيشة، ولا تقسو عليه الحياة.