مسائل في النحو أجاب عليها أبو البقاء يعيش بن علي ابن
يعيش الحلبي
قال الشيخ الإِمام الحافظ أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش الحلبي- رحمه الله-:
هذه مسائل وردت علينا من دمشق على يد الشيخ الفقيه العالم الحافظ أبي نصر الدمشقي [١]- رحمه الله- فأمليت ما حضر من الكلام عليها وبالله التوفيق.
المسألة الأولى: كونهُ قائماً.
بماذا يَنتصبُ قائماً، لأنّ المفتقِرةَ لا مَصدَر لها، والتَّامةَ لا عملَ لها في خبرٍ، بل يُرفَع ما بعدها بحقّ الفاعل، فهي بمعنى الحدُوثِ والوقوع.
والجواب: اعلم أنّ كان الناقصةَ مخالفَةٌ لغيرها مِن الأفعال الحقيقية/٣٤/ب إذ كل فعلٍ دالٍ على الحدث الذي أخذ منه، وعلى زمن وجود ذلك الحدث، ولذلك يؤكد بالمصدر، فتقول: ضرب زيَدٌ عمراً ضرباً وقعد خالدٌ قعوداً، وهذا الفعل- أعني- كان إذا كان دالاً على الزمان مجرداً من الحدث وصار الخبر بعده مُغْنياً عما اختُزل من الحدث، ولذلك كانت ناقصةً، ولزم خبرها ولم يسمعْ حذفُهُ مع أن فيه أمرين كل واحد منهما يسوغ الحذف: كونه مفعولاً [٢] والمفعول يجوز حذفه وسقوطه من اللفظ، والآخر كونه خبراًَ للمبتدأ في الأصل، وخبر المبتدأ يجوز سقوطه أيضاً إذا كان في اللفظ ما يدل عليه، ومع ذلك لا يجوز سقوطه مع كان لأنه قد صار عوضاًَ من الحدث، ولأجل أن كان يفيد الحدث لا يجوز أن يؤكد بالمصدر، فلا يقال: كان زيدٌ قائماً كوناً كما يقال: قام زيدٌ قياماً، لأن التأكيد تمكين بما أفاده اللفظ الأول، فإذا لم يفد اللفظ حدثاً لا يصح تأكيده بحدثٍ؛ فأما قولهم: كونه قائماً ونحو ذلك فإنما هو كلام محمول على معناه دون لفظه، وذلك أن المصدر يقدر بأن والفعل فكأن التقدير: وإن كان قائماً فانتصاب المصدر ههنا باعتبار الفعل المقدر لا باعتبار المصدر الملفوظ به، فأعربه [٣] .