وقبل الحديث عن الصوم مع مسلمي اليوم، نقدم عنه مع مسلمي الماضي كلمات في قليل الأسطر؛ ذلك لأن الصائب من الأمور لا يقال أو يكتب عنه كثير لوضوحه، خاصة لدى من يعقلون.
فمسلمو الماضي أدركوا رهبة وهيبة نداء عُلْوي وجه مباشرة إلى أهل الإيمان، فلم يأمر نبيه صلوات الله عليه أن يقول لهم بنحو {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، كما ورد في مواضع عدة في القرآن الكريم، وما كان على الموحى إليه صلى الله عليه وسلم إلا نقل هذا النداء المهيب إلى من عنُوا به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(البقرة: ١٨٣) , فأدركوا على الفور خطر الأمر، أدركوا أن هذا المنادي من أعلى لا جواب على ندائه إلا بلبيك يا اجل المنادين، وأدركوا أنه شرَّفهم بندائه المباشر، فأعدوا أنفسهم ليقابلوا هذا التشريف بأسرع ما تكون الطاعة، وأدركوا أنه وصفهم بالإيمان وهو يناديهم، فعزموا على أن يكونوا جديرين بهذا النعت العظيم الذي أضفاه عليهم، ومن هذه الإدراكات من أهل اللب الناهبين، قدروا جلل الأمر الذي كتب عليهم، وأنه لا بد سامق المكانة عند كاتبه سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} فعلموا من المنادي, أنه الآمر المطاع، وعلموا إلى من وُجّه النداء، إلى المؤمنين السبَّاقين إلى الطاعة، وأن المأمور به فرضٌ له عند الله خصوصية "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". .