دعي الرازي الطبيب العظيم ليعالج الأمير منصور الذي كان يشكو من أمراض روماتيزمية في مفاصله أعجزت كل من عاده من الأطباء ولما وصل إلى بخارى جرب طرقا عديدة لعلاج الأمير دون أن ينجح. وقال له آخر الأمر:"سأجرب في غد طريقة جديدة، ولكنها ستكلفك خير حصان وخير بغل في حظيرتك".
ووافق الأمير ووضع الحيوانين تحت تصرفه. وفي اليوم التالي ذهب الرازي بالأمير إلى حمام ساخن خارج المدينة، وربط الحصان والبغل خارجه بعد أن أسرجهما وألجمهما. ثم دخل الحجرة الساخنة وحده مع مريضه الذي وضعه تحت الدش الساخن عدة مرات وسقاه جرعة كان قد أعدها له عندما يجيء الوقت الذي تنضج الأخلاط في مفاصله.
ثم خرج ولبس ثيابه، ودخل ثانية وفي يده سكين، ووقف برهة يشتم الأمير قائلا:"لقد أمرت أن أقيد وأن ألقى في القارب، متآمرا بذلك على حياتي، وإن لم أقتلك عقابا لك على هذا فليس اسمي محمد بن زكريا، فغضب الأمير غضبا شديدا وثارت ثائرته وهب واقفا على قدميه مدفوعا بالغضب من جهة والخوف من جهة أخرى". فأسرع الرازي بالفرار من الحمام وقصد إلى حيث كان غلامه ينتظره في الخارج مع الحصان والبغل، وركب حصانه وانطلق به راكضا بأقصى سرعة، ولم يتوقف في هربه حتى عبر نهر أوكسس ووصل إلى مرو، ومن هناك كتب إلى الأمير:
"أطال الله حياة الملك. لقد بذلت في علاجك أقصى ما لدي من قدرة وفقا لما تقتضيه مهنتي. ولكن نظرا لنقص الحرارة عندك كانت مدة العلاج ستطول إلى حد بعيد، لهذا عدلت عن العلاج الطويل إلى العلاج النفساني، ولما تعرضت الأخلاط الفاسدة للحرارة في الحمام الساخن إلى الحد الكافي، أثرتك عامدا حتى أزيد حرارتك الطبيعة، وبذلك اكتسبت من القوة ما يكفي لإذابة الأخلاط التي كانت قد لانت".