للهجرة من مسقط رأس سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسبابٌ دعت إليها - وأهمُّها: مضايقةُ واشتدادُ أذى المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم ومَن آمن معه - ولقد سبق للرسول صلى الله عليه وسلم أن أَذِنَ لثلَّة من المؤمنين بالهجرة إلى أرض الحبشة بحثا لهم عن بيئة صالحة يطمئن فيها إيمانهم الفتي وتخلصا من أذى المشركين. ثم تكررت هجرتهم إلى الحبشة في السنة السادسة من البعثة.. وأكتفي بهذه الإشارة..
وأما الهجرة من مكة إلى المدينة فكانت بإذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم عقب اجتماع المتآمرين، غلاظ الأكباد وقساة القلوب، من مشركي قريش في دار الندوة حيث لم يتخلف أحد من ذوي الرأي والحجى للشورى في أمره صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله قرآنا يكشف ويُزيح الأستار وفضح لهم الأسرار ليزداد الرسول ومن آمن معه إيمانا بأن الله مع أوليائه بالنصر والتأييد وصبرا على تحمل أذى قريش في سبيل الدعوة إليه سبحانه:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال.
ولم يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم حفاظا على ذاته بل صيانة لدعوة الله عز وجل حتى تنتشر في ربوع هذا الكون. وصاحبه في هذه الرحلة المباركة والمحفوفة بالأخطار أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي أعدَّ لها كل ما يلزم، فتوجَّها إلى غار ثور جنوب مكة حيث اختفيا فيه ثلاث ليالٍ حتى هدأ عنهما الطلب.
وأما قريش فقد جدَّت في البحث وجعلت الجوائز لمن يأتي بمحمد صلى الله عليه وسلم إليها حيًّا أو ميتا..