تعرضت الدعوة الإسلامية عبر القرون والأجيال لأنواء المحن، وألوان الإحن، وتيارات من عواصف الفتن، ما سكن هياجها إلا لتلتقي ريحها كما تلتقي زعازع النكباء فتحاول اجتثاث جذور كلّ ما ساخ وأوغل ورسخ في الأعماق.
ناوأتها الوثنية، ودارت معاركها مع اليهودية، واجتمعت عليها جحافل الصليبية اللادينية وأخيراً كان أبناؤها شراً عليها من أعدائها:
لقد عانت أول ما عانت من الوثنية حين هتف أول صوت للحق على جبل الصفا يدعو إلى عبادة الواحد الصمد، فعارضه صوت الوثنية يتفجر من قلب أبي لهب يواجه داعي الحق: تَبّاً لك ألهذا جمعتنا؟ ومنذ ذلك بدأت معركة الدعوة تعاني محناً كظلمات الليل، وتختلس الخطى إلى من أراد الله لهم الخير، وعبأت قريش لتلك المعركة كل سلاح: فتارة تحارب الدعوة بسلاح التشكيك في كتاب الله فترميه بالشعر حين رأت الفصحاء يخرون أمام بيانه، وتارة تتهم الداعي الأمين بالسحر لأن قوة إقناعه بالدعوة تستلب الرجل من أحضان زوجته، فيؤمن بالله وتؤثر المرأة وثنية أهلها فيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الساحر الذي يفرق بين المرء وزوجه، فلما هزمت أسلحة التشكيك أمام منطق الدعوة اتخذت قريش سلاح التعذيب ولكنه تحطم على صلابة الإيمان، وكان في صبر آل ياسر الدليل الدامغ على أن العذاب لا يروع قلوب المؤمنين، بل إن الموت اشهى لهم من حياتهم في ظل الوثنية، وقَدْمَتْ سميةُ زوجة ياسر أول بذل للحياة في سبيل الإسلام.