الحياة البشرية على الأرض بثقلها ومسؤولية الحفاظ على توازنها ليس هينة العبء ولا سهلة القياد، وذلك لما تتضمنه من عمق وتشعّب ودقة، وما تزدحم به من رغبات تتفق وتختلف، ومصالح تتعارض وتصطلح، ومطامح تلتقي وتفترق، وأمزجة تصفو وتتكدر، وأصناف من السلوك، وأنواع من الظروف، وبما فيها من شعوب تتباين استعداداتها وأهدافها، وقبائل تتنوع مساعيها، وبما يعتريها من أحداث الزمن وتقلبات الأيام وصروف الدهر، وبما يلابسها من لمسات الخير ووخزات الشر، وما ينتظمها من حركة لا تتوقف، وبما تتطلبه من علاقة بمبدع الوجود وعلائق بالمخلوقات عموما وبين البشر على وجه الخصوص.
هذه الحياة لا بد لها من ميزان تنضبط به أمورها وترجع إليه مبهماتها وتوزن به اختلافاتها، وتقاس به جميع حالاتها.
ولقد وهب الخالق سبحانه وتعالى للإنسان العقل ليميز به ويزن به الأمور، ولكنه لم يترك هذا العقل يتخبط وحده في متاهات الحياة، والعقل عرضة للتأثر باضطرابات النفوس واعتلال الأجسام ومؤثرات البيئة الخ، فجاء عونه تعالى للعقل البشري ببيان مرتكزات مصالح البشر التي تشمل مصالحهم في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، فبيّن للناس أصول النظم التي يسيِّرون بها الحياة ويبصرون بها الطريق حتى يحقق الإنسان معنى خلافته في الأرض.