من روائع ما كتب ابن قيم الجوزية - رحمه الله - كتابه المسمى (التبيان في أقسام القرآن) ، نهج فيه نهجه التحليلي العلمي الدقيق الذي يتسم فيه بما أفاض الله تعالى عليه من النظر الفاحص، وعمق الفهم، وشفافية الحس، ومن طيب ما كتب في كتابه المذكور ما يلي:
والذي أحصاه المشرحون من العظام في البدن مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى الصغار السمسميات التي أحكم بها مفاصل الأصابع والتي في الحنجرة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان خلق من ثلاثمائة وستين مفصلا، فإن كانت المفاصل هي العظام فقد اعترف جالينوس وغيره بأن في البدن عظاما صغارا لم تدخل تحت ضبطهم وإحصائهم، وإن كان المراد بالمفاصل المواضع التي تنفصل بها الأعضاء بعضها عن بعض - كما قال الجوهري وغيره: المفصل واحد مفاصل الأعضاء - فتلك أعم من العظام، فتأمله، وان السلاميات المذكورة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر:"يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة"، الحديث. فالسلامى العظم، وجمعه سلاميات، فهنا ثلاثة أمور: أعضاء، وعظام، ومفاصل، وجعل الله سبحانه العظام أصلب شيء في البدن، لتكون أسا وعمدة في البد؛ إذ كانت الأعضاء كلها موضوعة على العظام، حتى القلب، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وهي حاملة للأعضاء، والحامل أقوى من المحمول، ولتكون وقاية وجنة أيضا، كالقحف؛ فإنه وقاية للدماغ، وعظام الصدر وقاية له، وجعلت العظام كثيرة لفوائد ومنافع عديد:
منها الحركة فإن الإنسان قد يحتاج إلى حركة بعض أجزائه دون بعض، وقد يحتاج إلى حركة جزء من عضو.
ومنها أنه لو كان على عظم واحد لكان إذا أراد أن يتحرك تحرك بجملته.