ومنها أنه إذا أصابه آفة عمت جميع البدن، فجعلت العظام كثيرة ليكون متى نال بعضها آفة لم تسر إلى غيره من العظام مقامه في تحصيل تلك المنفعة.
ومنها تعذر المنافع التي حصلت بسبب تعدد العظام، ولولا كثرتها وتعددها لفاتت تلك المنافع.
ومنها أن من العظام ما يحتاج البدن إلى كبيره، ومنها ما يحتاج البدن إلى صغيره، ومنها ما يحتاج إلى مستطيله، ومنها ما يحتاج إلى مجوفه، ومنها ما يحتاج إلى محنيه، ومنها ما يحتاج إلى مستقيمه، ولا يحصل ذلك إلا بتعدد العظام.
ومنها بديع الصنع، وحسن التأليف والتركيب، وغير ذلك من الفوائد.
ثم شد الخالق بعضها إلى بعض بالرباطات والأسر المحكم، ثم كساها لحما، حفاظا لها ووقاية، ثم كسا اللحم جلدا صونا له.
ولما كانت الفضلات تنقسم إلى لطيفة وغليظة جعل الله للغليظة منها مجاري تنجذب إلى أسفل، ويخرج منها خروجا ظاهرا للحس، وأما اللطيفة فهي العضلات البخارية، ولما كان من شأنها أن تصعد إلى فوق وتخرج عن البدن بالتحليل جعل في العظام العليا منها منافذ يتحلل منها البخار المتصاعد، فلم تكن تلك المنافذ محسوسة؛ لئلا يضعف صوان الدماغ - وهو القحف - بوصول الأجسام المؤذية إليه، فجعل الدماغ مركبة من عظام كثيرة، ووصل بعضها ببعض بوصل يقال لها الشؤون، ومنه قولهم: فلان لم تجتمع شؤون رأسه.
ويشتمل الرأس بجملة أجزائه على تسعة وخمسين عظما، وجعل القحف مستديرا تاما في مقدمه ومؤخره وجانبيه، بمنزلة غطاء القدر، وعظامه ستة وهي: عظم اليافوخ، وعظم الجبهة، وعظم مؤخرة الرأس، والعظمان اللذان فيهما ثقبا السمع، وفي كل واحد من الصدغين عظمان مصتان.
وعظام اللحى الأعلى أربعة عشر عظما: ستة منها في محاجز العينين، واثنان للأنف واثنان تحت الأنف، وهما المثقوبان إلى الفم، واثنان في الوجنتين، واثنان تحت الشفة العليا.
وأما العظم الشبيه بالوتد فهو واحد، وهو كالقاعدة للرأس.