وقال عبد القاهر:"اتفقوا على أن التعجب أصله أن يدخل فيما هو غريزة، ولذلك حملوه على (فَعُلَ) ، وجعلوه علماً له في نحو: قَضُوَ الرَّجُلُ زَيْدٌ، وعَلُم الرجُل عَمْرٌو، وقالوا: إن الأفعال التي لا تكون غريزة لا يدخلها التعجب إلا بعد أن تجري مجرى الغريزة، بأن يتكرر وقوعها من أصحابها، أو تقع منهم على صفة تقتضي تمكنهم فيها، فلا يقال: ما أضربَ زيداً، وهو ضارب ضربة خفيفة، لا، بل يقال ذلك إذا كثر هذا الفعل، أو وقع بقوة، وصدر على حد يوجب فضل قدرة منه عليه، وإذا ثبت هذا الأصل وجب الامتناع عن التعجب في فعل المفعول، لأن الفعل يصح أن يصير كالغريزة والعادة للفاعل الذي منه يوجد، فأما المفعول فلا يتصور فيه ذلك، إذ لا يكون وقوع الفعل على زيد من غيره غريزة له على الحقيقة، كيف ولاحظَّ له في إيجاد الفعل؟! وأكثر ما يمكن أن يقال: إنه يعتاد الضرب بمعنى يَمْرُنُ على احتماله، واحتمال الفعل الواقع من الغير عليه معنى خارج عن الفعل، فلا يصير الفعل متمكنا فيه تمكن الغريزة، لكونه محتملاً له، فلو جاز أن يكون فعل غيرك غريزة لك لجاز أن يكون سواد عمرو صفة لزيد، وخلقةً له؟ مع كونه أبيض، فلما كان كذلك لم يبن فعل التعجب من فعل المفعول، إذ كان يؤدي إلى أن يقال: ضُرِبَ زيدٌ، بمعنى صار فعل غيره غريزة له, وذلك محال كما ترى"[٢٥] .
والخلاصة أن همزة (أفْعَلَ) لتعدية ما كان لازماً بالأصالة، نحو: ما أحسنه, أو لتقوية ما صار لازماً بالنقل إِلى (فَعُلَ) إلى مفعول غير مفعوله الأول، وهو فاعل أصل الفِعْلِ، نحو: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً في: ما أضْرَبَ زيداً لعمروٍ! " [٢٦] كما يتضح فيما يأتي.