عالجت كتب الدراسات الأدبية ذلك الموضوع القديم والجديد معاً، ألا وهو علاقة الأدب (أو الأديب) بالحياة. وعندما نقرأ آراء النقاد البارزين ومؤرخي الأدب، وروّاد المدارس الأدبية المختلفة، ندرك أنهم يقتربون كثيراً في مفاهيمهم العامة، وان بدت الخلافات عميقة جداً في بعض الأحيان، كما يحدث بين الكلاسيكيين والرومانسيين مثلاً، أو كما يحدث بين الواقعيين والرمزيين، لكن يظل الأدب دائما وأبداً وثيق الصلة بالحياة، سواء احتفي بالعقل كما هو عند الرومانسيين، أو ركز على العاطفة مثلما يحدث لدى الرومانسيين، وسواء ارتبط بالواقع المحسوس الملموس، أو اهتم بالمثاليات والغيبيات والسمو الروحي كالذي يفعله الرمزيون، فلكل أديب حياته الخاصة والعامة، وله معتقداته التي يؤمن بها.
ما نريد أن نقوله أن الحياة واسعة وعميقة، وهي تشمل ما هو داخلُ "الذات "أو خارجها، وتنصهر في بوتقتها المظاهر العديدة، والثقافات المتنوعة، والتقاليد الراسخة، والمعتقدات المتباينة، والحياة في حركة موارة دائبة، تزدحم بالأحداث، وترتج بالصراعات، وتضطرم بالانفعالات والتفاعلات الصاخبة، ومما لا شك فيه أن كل عصر يترك بصماته على البيئات، ويؤثر على الأفراد والجماعات, وبإيجاز كبير فإن مادة الحياة غنية، بحيث يجد الأديب -أيّ أديب مهما كان منزعه- العناصر اللازمة لعمله الفني، وفقاً لمزاجه وتصوراته ومعتقداته وأهدافه.