للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تابع لتلوين الخطاب لابن كمال باشا

اعلم أنه قد دار في ألسنة أرباب البلاغة أن [امرأ] القيس التفت ثلاث مرات في [ثلاثة] أبيات، واستغربوا ذلك غاية الاستغراب وزعموا أنه ثمرة الغراب، وقد وقع في كلامه تعالى التفاتان في مقدار نصف مصراع البيت؛ وذلك أغرب، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوْا إِلى اللهِ} (١) فإنَّ في {رُدُّوا} التفاتاً من الخطاب إلى الغيبة، وفي قوله: {إِلى اللهِ} (٢) التفاتاً (٣) من التكلم إلى الغيبة؛ لأن سياقه قوله تعالى: {حَتَّى (٤) إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُوْنَ} (٥) .

وقوله تعالى: {بَارَكْنَا حَوْلَه لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} (٦)


(١) الآية ٦٢ من سورة الأنعام.
(٢) في (م) إلى أنه.
(٣) ساقط من (م) .
(٤) ساقط من (م) .
(٥) الآية ٦١ من سورة الأنعام وسياق الآيتين - حتى يتضح الالتفات - هو {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} .
(٦) من الآية (١) من سورة الإسراء، والآية بتمامها: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . وهذه القراءة (ليريه وردت عن الحسن. انظر في ذلك:
- الكشاف: ٢/٤٣٧.
- البحر المحيط: ٧/١٠.
- الدرّ المصون ٧/٣٠٧.

وقد بيّن صاحب الدرٍّ المصون الالتفات فقال: "وقرأ الحسن (ليريه) بالياء من تحت، أي الله تعالى، وعلى هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعة التفاتات، وذلك أنّه التفت أوّلاً من الغيبة في قوله {أسرى بعبده} إلى التكلم في قوله {باركنا} ثم التفت ثانياً من التكلم في {باركنا} إلى الغيبة في {ليريه} على هذه القراءة، ثم التفت من هذه الغيبة إلى التكلم في {آياتنا} ، ثم التفت رابعاً من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله: {إنّه هو} على الصحيح في الضمير أنه لله..".