في رسائلي التسع السابقة كان حديثي إليك عن همزة الاستفهام الداخلة على ((لم)) النافية الجازمة للفعل المضارع، وقد انتهى ذلك الحديث واكتمل، أما في رسالتي العاشرة هذه فسوف أحدثك عن شيء جديد هو حالي مع لا النافية للفعل المضارع.
لقد جئت أنا همزة الاستفهام مع لا النافية هذه على صور متعددة وصيغ مختلفة كان أكثرها ورودا {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ، فقد جاءت هذه الصيغة في أربع عشرة آية من آيات القرآن الكريم:
الآية الأولى قوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} الآية (٤٤) من سورة البقرة.
وقد نزلت هذه الآية في أحبار اليهود من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وعمل الخير واتباع ما جاء في التوراة – وفيها صفة الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر بتصديقه- ثم هم لا يتبعون ما جاء فيها، مع أنهم يقرءونها ويعلمون ما اشتملت عليه.
وفي هذه الآية ينكر الله سبحانه وتعالى على أولئك الأحبار ويوبخهم وينعى عليهم أن يجمعوا بين هاتين الحالتين: أن يأمروا الناس بالبر وأن يتركوا هم أنفسهم فعله، مع أنهم يتلون التوراة وفيها النهي عن هذا الوصف الذميم، غير أن معنى الإنكار والتوبيخ عام يشمل كل ما يسلك سبيل أولئك الأحبار فيخالف عمله قولَه: يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويأتيه.