إن المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى اتحاد الكلمة ووحدة الصف لحماية بلادهم من أطماع الطامعين وكيد الكائدين والقدوة بأسلافهم الذين ردوا كيد أعدائهم وحموا بلادهم من أطماعهم.
ففي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) تدفقت على الشرق الإسلامي جموع من الأوربيين النصارى وشنت عليه حروباً عرفت في التاريخ بالحروب الصليبية نسبة إلى الصليب الذي اتخذه المحاربون شارة لهم.
والأسباب التي تذرع بها هؤلاء المعتدون هي تمكين الحجاج النصارى من الحج إلى بيت المقدس وحمايتهم من مضايقة المسلمين لهم وهى أسباب غير صحيحة لأن تعاليم الإسلام كفلت لأهل الأديان الأخرى الحرية التامة في مزاولة شعائر دينهم ونهت عن التعرض لهم بسوء ما داموا مسالمين ولا نظن أن مسلمي هذا العصر كانوا يجهلون ذلك.
وكان الذي أثار هذه الشائعات هو بطرس الناسك الذي حج إلى بيت المقدس وعز عليه أن يراه ملكاًَ للمسلمين وهو المكان المقدس لدى النصارى وقد طاف بطرس الناسك جميع البلاد الأوربية وأخذ يحرض النصارى على تخليص بيت المقدس من يد المسلمين.
وفي أواخر سنة ٤٦٣ هـ انهزم البيزنطيون أمام المسلمين في موقعة (ملاذ كرد) فاستنجد الإمبراطور البيزنطي بالبابا (إريان الثاني) بطريرك الكنيسة الغربية وقد صادف هذا الإستنجاد هوى من نفس البابا الذي كان يطمع في ضم الكنيسة الشرقية إلى الكنيسة الغربية فأقام أوربا وأقعدها وأثار تلك الضجة العالمية التي تعتبر من أهم أحداث التاريخ.
وفي العام التالي لهذا الاستنجاد ألقى البابا خطبة في مدينة (كلير منت) في الجنوب الشرقي لفرنسا حث فيها النصارى على أن يسلكوا سبيلهم إلى القبر المقدس ويأخذوه عنوة من ذلك الشعب الملعون ويخضعه لأنفسهم [١] .