المدرس في كلية الدين الدعوة وأصول بالجامعة الإسلامية
قضت الفطرة ألا ينهض الفرد وحده بشئون نفسه ومتطلبات حياته، فهو مدني بطبعه محتاج إلى معاونة بني جنسه، في إدراك مآربه، وتكميل أسباب حياته مما تقصر عنه يده، ولا تتسع له مداركه، ولا تحتمله قواه، وبهذا كانت الحياة الإنسانية حياة جماعة، يسد كل فرد منها ثغرة في بناء المجتمع الذي يعيش ويحيا فيه لتنتظم من مجهودات الجميع عيشة هنيئة راضية.
وقد جبلت النفوس على الأثرة وأشربت حب الذات، فكل امرئ ينبغي أن يستوفي كل حوائجه، ويحرز أكبر نصيب من طيبات الحياة ولذاتها ولو على حساب الآخرين.
والناس متباينون ميولا، ومختلفون في النزاعات بحكم عوامل البيئة والوراثة فلو ترك الناس وشأنهم في مناحي الحياة يستبد كل برأيه ويتبع شهواته، لتعارضت الميول، وتشعبت بهم سبل الحياة، وعميت عليهم وجهة الحق والخير، وساروا في جنبات مظلمة، لايلوي فرد على فرد، ولا تعطف جماعة على جماعة، فتكون الحياة والحالة هذه حياة بهيمية مضطربة ناقصة لا هناء فيها ولا استقرار، حياة شيطانية متمردة، يموت فيها الحق ويحيا الباطل، وتنعدم المساواة فيما تجب فيه المساواة، فلا عدل إلا ما كان وسيلة إلى نفع ذاتي، ولا خير إلا فيما وافق الهوى، وفي هذا انتقاض على الفطرة، التي ربطت الناس في مضمار الحياة، وقطع لوشائج الإنسانية التي أحكم الله صنعها مذ خلق الله الناس من ذكر وأنثى، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا (٤٩:١٣){يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .