وقد طبع الله الجماعة البشرية منذ القدم على الشعور بحاجتها إلى ما يلم شعثها، ويرفه عليها حياتها. وقد جرت سنة الله في خلقه منذ عمرت بهم الأرض أن يشرع لهم الشرائع عند مسيس الحاجة إليها، ويبعث فيهم رسلا من أنفسهم يقيمون معالم الحق والخير (٤:١٦٥){رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}
وقد غشيت العالم قبل الإسلام سحابة كثيفة من الشرك، وانحدر الناس إلى الأعماق، وحل المنكر محل المعروف، وقبض أهل الرذيلة على ناصية الأمم حتى نفر الناس من مقامهم على هذه الفوضى، وأحسوا بالحاجة إلى رسول ينقذهم من ظلمات الجهل، وينتشلهم من مهاوي الرذيلة، ويسمو بهم إلى مراقي العز والكرامة والفضيلة، فكانت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، اختاره لتبليغ الرسالة بعد أن بلغت الإنسانية من التطور ونضوج الفكر حدا لائقا، واستعدت النفوس لكامل الهداية، فبعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا.
وقد كان من تمام نعمة الله على عباده، ومن مظاهر حكمته في خلقه بعد أن تخطى العقل البشري دور الطفولة، وتهيأ الفكر للتدرج في مراقي الحياة، أن تكون الشريعة الإسلامية التي يختم بها شرائعه شريعة محكمة الأساس، وطيدة البنيان، كاملة النظام، سامية الأغراض، وافية بحاجات الأفراد والجماعات، عادلة من غير إفراط، وسهلة بلا تفريط أبدية، صالحة لكل زمان ومكان، محببة إلى النفوس، كاشفة عن نواحي الخير، فلا غرور إن كانت شريعة العزة والكرامة.