بعض هذه الفصول طالعتها إبان صدورها في مجلة البعث الإسلامي، وكنت أتشوق لمتابعتها وقراءتها مجتمعة، ثم شاء الله أن أكتب مقدمتها – في الترجمة العربية – فتفرغت للاطلاع عليها جميعا، وكانت تلك فرصة ماتعة للإحاطة بمبادئها وغاياتها وهي متصلة الحلقات، يوضح بعضها بعضا، ويمهد بعضها لبعض.
وعلى الرغم من أنها كتبت قبل الكثير من التطورات الأخيرة التي اعتورت الأوضاع الدولية، والأفكار العالمية، والتنبهات الإسلامية في أوساط المثقفين وأولي العلم، فقد اشتملت على الكثير من الحقائق الأساسية الكشافة لحقيقة الفروق القائمة بين الإسلام والاشتراكية.. وإنما نظمت هذه البحوث – فيما يبدو لي – لمناقشة المخدوعين بأضاليل الاشتراكية من أبناء المسلمين، الذين أخذوا ببريقها الخادع ودعاياتها النفسية المركزة، وبخاصة في شبه القارة الهندية، وهم، كما يستخلص من إشارات الكتاب، يقبلوا على هذه المذاهب الدخيلة كفرا بدينهم أو إيثارا لها عليه – في بادئ الأمر – بل كانوا مدفوعين إلى ذلك بباعث الجهل لحقيقة الإسلام أولا، ثم امتلاء الذهن بالأحلام الزائفة التي صورت لهم تلك النحل الشيطانية في قمة الحلول العادلة لمشاكل البشرية.. ولهذا عني المؤلف المؤمن – رحمه الله – بعد المقارنات الدقيقة بين واقع الاشتراكية – على اختلاف ألبستها – ومثاليات الإسلام العملية التي تهدي دائما وأبدا للتي هي أقوم.. وليست هذه الفصول في تقويمها الحق سوى ظاهرة رائعة من النشاط الفكري الحي، الذي ينهض به العقل الإسلامي في تلك الربوع، ممثلا في التراث الواسع الذي يكتبه علماء الإسلام هناك، فلا يلبث أن ينتشر في جوانب العالم الإسلامي كلها كأشعة الشمس، تشرق على جانب من الأرض، ثم تمضي في طريقها لتعمها جميعا..