لشد ما يحزن القلب ويحزب النفس أن أكتب إليك اليوم أني قد تزوجت، وأني قد تزوجت فتاة مسيحية ليس بينها وبين الإسلام نسب ولا سبب، وأنها أجنبية الدم وليس لها في ديار العرب جدود ولا أرحام..
لقد تزوجت منذ ثلاث سنوات خلت، ولكني كتمتك الخبر خشية أن ينقطع عني عونك المتواصل، ويتخلى عن جيبي مالك المتدفق، أما اليوم فقد أصبحت طبيبا أتدرب في أحد المستشفيات، وآخذ راتبا يكفيني ويزيد، وتخرجت زوجتي في كلية الآداب وأصبحت مدرسة في إحدى المدارس الثانوية، وفي مرتبها ما يزيد مالنا قوة على قوة، ووفرا على وفر.
والدي العزيز:
سوف تقرأ هذه الرسالة مرة بعد مرة، وفي كل مرة ترجع البصر كرتين تتعرف توقيعي الماثل في ذيل هذه الرسالة، وتتبين اسمك الكامل الذي أخطه على وجه الغلاف، وسوف ترجوا في كل مرة أن تكون هذه الرسالة قد كتبها كاتب غيري، أو أن تكون قد وقعت بين يديك عن خطأ وغفلة من موزع بريد.
رفقا بنفسك يا والدي العزيز، وأمسك عليك بقايا بصر كاد يؤدي به مرض السكر، فما بك من حاجة إلى أن تقرأ هذه الرسالة أكثر من مرة، كل ما فيها صدق لا يشوبه كذب، وحق لا يعتريه باطل، وهذا التوقيع الذي تحدق فيه وتحملق هو توقيع ابنك لا شك ولا زيف.
سوف تتهمني يا والدي العزيز أني قد عققتك ودلست عليك، وأني لم أك ذلك الولد البار الذي كنت تتوقع وتؤمل، سوف تتهمني بالخداع والمراوغة، أظهرت لك خلاف ما أبطن، وقلت لك قولا لم أكن به أومن، حتى إذا ما انتهت حاجتي إليك وأصبحت ذا غناء عنك، سقط النقاب عما كنت أخفيه، وأفصح اللسان عما كنت أطويه.