للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسَائِل لمْ يَحْمِلهَا البَريْد

بقلم الشيخ عبد الرؤوف اللبدي

المدرس في كلية الشريعة في الجامعة

إنني أنا جارتك (القهوة) ، هذه التي لا يفصلها عنك سوى هذا الشارع الصاخب الواسع، وغير هذه العمارات القليلة الأنيقة الذاهبة في السماء، فأنت على مرأى مني ومسمع، أرى المصلين على أبوابك غدواً ورواحاً، وذهاباً وإياباً، وأسمع نداءاتك الخمسة في كل يوم تجوب الأرض والسماء، داعية عباد الله إلى عبادة الله.

ولكن ما هذا النحيب الذي أسمعه منك في جوف الليل والناس نيام؟! أرجو ألا يسبق إلى ظنك أني أسترق السمع إليك تحت جنح الظلام، أو أني أتلمس أخبارك من خلف الأبواب المغلقة، معاذ الله أن أكون قد فعلت ذلك أو حاولت أن أفعله، فنحييك هذا لم يعد سراً يخفيه الليل، أو خبيئاً تواريه الحجب، لقد تعالى كنداء الصريخ، وتوالى كأنين الثكلى، وأمسى حديث سمر تتجاذب أطرافه هذه العمارات المتجاورة من حولك، حين تخلو شوارعها من السيارات والسائرين، وحين يرقد ساكنوها في فراشهم آمنين حالمين.

ولقد سمعتهم ليلة أمس يتحدثن عنك وعمّا أصابك، وما أكثر ما يتحدثن هذه الليالي! وما أكثر ما تكون أنت موضوع الحديث!

قالت أقرب العمارات إليك، تلك العمارة الضخمة البيضاء: ألا ترين إلى هذا المسجد، كيف أقفر من المصلين، ولم يعد له في القلوب ذلك الحب المكين؟!

فأجابتها العمارة المصاقبة الخضراء: إني لأشعر ما تشعرين، ولقد آلمني والله - بكاؤه، وعز عليّ ما يلقاه من إعراض وصد.