كان فلاسفة اليونان يميزون في النفس قوى ثلاث أو يجدونها ثلاثة أنفس هي النفس العاقلة والنفس الشهوانية والنفس الغضبية، والغضب هيجان يفيض وراء أسوار العقل فيكون كالسيل الهادر أو كالحمم المتدفقة يأكل بعضها بعضاً فتحيل المدن آثاراً والحقول اليانعة هباءً منثورا، وكان العرب يرون في الغضب انتصاراً للحق ونصرة للضعيف وثأراً للكرامة ويقول الشاعر:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
ويتردد في جوانب التاريخ أصداء انتصار المعتصم للمرأة التي صرخت وا معتصماه عندما سباها الروم وتم فتح عمورية بما يصوره لنا أبو تمام:
لقد تركت أمير المؤمنين بها
للنار يوماً ذليل الصخر والخشب
حتى يقول:
لقد تركت بني الإسلام في صعد
والمشركين ودار الشرك في صبب
وقد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين مسرحية في إنكلترا تهافت عليها الشباب تهافت الذباب على جيفة منتنة وعنوان المسرحية (انظر إلى الخلف بغضب) Look Back in Anger.
تلك المسرحية التي يدرسها مختصو الآداب الأجنبية على أنها أنموذج من الإنتاج الأدبي للجيل الحديث؛ ذلك الجيل الذي يطلقون عليه منذ ذلك التاريخ اسم (الجيل الغاضب) Angry Generation.
ولا يعنينا في هذا المجال التعرض لتلك المسرحية التي تمثل ذلك النمط من الشباب الشقي الخاسر لدينه ودنياه والذي يربطه فيما بينه نزوع التكالب: فتجد كل فرد منهم يمسك بأنثاه إمساك اثنتين من بنات عرس كل واحدة منهما تشد بأسنانها على عنق الأخرى حتى تستنزفها آخر قطرة من دمائها كما يقول أحد النقاد الأدبيين في تلك المسرحية.