الحمد لله حقَّ حمده، والصّلاة والسّلام على خير خلقه، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإنّ كثيراً من المتخصّصين في علوم العربية لا يعرفون عن أبي تراب اللّغويّ أو عن كتابه "الاعتقاب"إلا الشيء اليسير، وقد لا يعرفون عنه شيئاً؛ فهو من علماء اللّغة المغمورين على الرّغم من تقدّمه وعنايته الفائقة باللّغة، وإعجاب معاصريه به، وتوثيقهم إيّاه، وتلقّيهم كتابه الاعتقاب بالقبول والرّضا، وهو ككثير من علماء اللغة المغمورين الذين لم يواتهم الحظ، فقصّر في ترجمته المترجمون، وأهمله أكثرهم، ولم يكن كتابه أوفر حظاً منه فقد أتت عليه عوادي الزمان، فضاع فيما ضاع من تراث العربيّة.
ولقد قيض الله لأبي تراب من أبقى ذكره؛ بترجمة مختصرة نافعة، وحَفِظَ جلّ كتابه "الاعتقاب"بنقله نصوصاً كثيرة منه تُربي (١) على ثلثمائة نص، وهو الأزهريّ (٣٧٠هـ) القائل في مقدمة معجمه الكبير "تهذيب اللغة"بعد أن ذكر أبا تراب وكتابه "الاعتقاب": "وقد قرأت كتابه فاستحسنته، ولم أره مجازفاً فيما أودعه، ولا مصحّفاً في الذي ألّفه، وما وقع في كتابي لأبي تراب فهو من هذا الكتاب".