كان الرقيب برهان غارقا في نوم ثقيل، عندما انتقل جرس الهاتف الموضوع بحذاء رأسه يقرع سمعه برنين مزعج طويل، ويبدو أنه كان مستغرقاً في حلم غير سار سرعان ما اختلطت أحداثه بهذا الرنين، فإذا هو يهب مذعوراً، وفي غير وعي يجذب جهاز الهاتف ويقذف به بعيداً، فيكاد يصدم رأس زميله المساعد، لولا أن رده جانب الوسادة الذي كان مرتفعاً فوق ذراعه التي اعتادت أن تأخذ مكانها تحتها، كلما أخذ رأسه موضعه فوقها.. وفي هذه اللحظة أخذ الرقيب يسترد كامل يقظته، فاعتذر لرفيقه بأنه كان يحلم أنه في خط النار، وقد سقطت بجانبه قذيفة يدوية، فالتقطها ورمى بها ليتفادى انفجارها..
وكان جرس الهاتف مستمراً في رنينه، فرفع الرقيب السماعة..
- من هنا؟
- هنا مركز قطنا.
- هنا مركز الضابطة العامة في قوة اليرموك بدمشق.. الرقيب برهان يتكلم.
- شكراً.. هنا زميل لكم من ضابطة اليرموك في معسكر قطنا عثر به قتيلاً عند مدخل البلد.
- رقيب.. قتيل؟!.. أهكذا قلت؟!..
- نعم.. رقيب من ضابطة اليرموك الخاصة في قطنا.. وجدته جوالة للشرطة قتيلاً أو ميتاً..
- قتيل.. ميت!! .. أقتيل هو أم ميت؟؟
- المكان يوهم أن في الأمر جريمة.. ولكن لا يبدو في الجثمان ما يدل على ذلك.
- شكراً.. احرسوا الجثمان.. سنجري اللازم حالاً.
وأعاد الرقيب السماعة.. وأطرق يفكر، الساعة الآن الثانية، ومعنى ذلك أنه لم يمض على نومه سوى ساعة.. وقد قضى يومه في عمل متواصل يراقب المتطوعة، ويستمع إلى الشكاوي... وعشرات الأشياء الأخرى، وكان يمني نفسه بإغفاءة لا يقطعها إلا بالنهوض لصلاة الفجر.. وها هو ذا مضطر إلى مغادرة فراشه قبل الموعد بثلاث ساعات، ليبتدأ عملاً لا يعلم متى ينتهي.. ومن يدري فقد يكون الرجل ميتاً لا قتيلاً، ما دام الشرطة، وهم الذين شاهدوا جثمانه، لا يستطيعون القطع بأحد الأمرين، وفي هذه الحال سيكون مجهوده خالياً من كل معنى!..