ماجت دور يثرب وقصورها وآطامها بأحاديث الإسلام بعد بيعتي العقبة الأولى والثانية، وكانت من قبل مسرحا للوثنية واليهودية، ثم دخل الإسلام دورها، وسرت أصوله وتعاليمه بين مجتمعاتها، فأصبحت المدينة بين لهج بالإسلام، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم مترقب إشراقه عليها متحمس لدعوته، وبين خائف تنتفض أحاسيسه خوفا على سلطانه أو دنيا جاهه أو ماله، وبين سائل عن دعوة الدين الجديد متقص ألوان الأذى التي يواجهها أصحابه من أقوامهم. وكلما ألقى الرجال بينهم صحابي أحدق المسلمون به يسمعون منه ما أوحاه الله إلى رسوله أو ما حدث به أو ما لقي أصحابه من ضروب النكال، أو ما يلقى الرسول من كيد من أنكروا إنسانيتهم فخروا سجدا لآلهة نحتتها من الصخر أيدي صناع الآلهة.
ووقف اليهود عن كثب يستنبئون أو يصيخون إلى ما تتناقله الألسنة مما يدور حول محمد ورسالة محمد {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه}(البقرة: من الآية٨٩)
وتطلع الوثنيون الحيارى من الأوس والخزرج وغيرهم إلى فجر من اليقين يبدد ما ضربته عليهم ظلمات الحيرة، ويأخذ بأيديهم من متاهات الشكوك.
بكل هذا أفعمت خواطر اليثربيين على اختلاف أديانهم حتى أذن الله لرسوله بالهجرة فلم يكد يستقر مقامه في يثرب حتى أسس أول مسجد في الإسلام تطهر في محرابه الأرواح حين تصل دنياها بصانع الأرواح، وفي هذا المسجد وضعت خطوط الدولة الجديدة في الإدارة والسياسة والحكم والاقتصاد، وفيه انعقدت مجالس الشورى، واستقبلت الوفود من القبائل والملوك، وأعلنت فيه التعبئة لقتال أعداء الإسلام، وعقدت في حرمه الألوية، ووجهت الوصايا للقادة.