الشعور بالوحدة التامة، والمساواة الكاملة بين الإنسان وأخيه الإنسان نراهما واضحين في فريضة الصيام إذ هو تطبيق عملي لهذه المبادئ الإنسانية فالغني الفقير وغيرهما من ذوي الشرف والترف، وأصحاب الجاه والسلطان يشتركون في بداية الصوم ونهايته دون اختيار لواحد منهم. كما يشتركون في الحرمان المشروع طول اليوم فلا الغني الواجد يعصمه غناه عن أداء هذه الفريضة، ولا الفقير المعسر ينقذه إعساره من مشقتها إذ الكل أمام الاختبار الإلهي سواء.
إن حرمان الغني الموسر من الطعام وهو ميسور لديه ومن الشراب وهو كائن بين يديه يحمله على الشعور بما يقاسيه الفقير طوال العام فتتحرك فيه العاطفة الإنسانية وتضعف في نفسه عوامل الأنانية، وتقوى فيه دوافع الغيرية، فيشعر بالعطف السابغ يغمر قلبه، فتفيض نفسه بالخير، وتمتد يده بالإحسان ليخفف عن إخوانه في الله عبئ الحياة وشظف العيش، ومرارة الجوع، وآلام الحرمان ويسرع إلى نجدة كل محروم، ونصرة كل مظلوم، وإسعاف كل مكلوم، وبذلك يتولد بين الجماعة تراحم بالغ، وود كامل، وترابط قوي، وتكافل في الخير، وتعاون يمتد أثره إلى نواحي الحياة العامة وبهذا يصير المجتمع المؤمن كله كما أراده الله، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
الصوم عبادة من ثمراتها أن يملك الإنسان زمام نفسه يكفها عن رغباتها، وكبح جماح شهواته، وتهذيب سلوكها، وكبت عواطفها, وهو بهذا يعد الإنسان إعدادا كاملا للصمود أمام أحداث الزمن، ونوائب الحياة، ويمده بالشحنة التي تهيئه لتحمل الصدمات في المحن والأزمات بقلب مطمئن، ونفس راضية بما يجري به القدر، ويجيء به القضاء.